فصل: (فَرْعٌ): (في الْخَرْصِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [فيما يجب فيه العُشر ونصف العُشر]:

(وَيَجِبُ فِيمَا يَشْرَبُ بِلَا كُلْفَةٍ) مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ (كِ) الَّذِي يَشْرَبُ (بِعُرُوقِهِ) وَيُسَمَّى بَعْلًا.
(وَ) كَاَلَّذِي يَشْرَبُ بِـ (غَيْثٍ) وَهُوَ الَّذِي يُزْرَعُ عَلَى الْمَطَرِ (وَ) الَّذِي يَشْرَبُ بِـ (سَيْحٍ)، أَيْ: مَاءٍ جَارٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَنَهْرِ وَعَيْنٍ. (وَلَوْ) كَانَ السَّقْيُ (بِإِجْرَاءِ مَاءِ حَفِيرَةٍ) حَصَلَ فِيهَا مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ أَوْ نَهْرٍ (شَرَاهُ)، أَيْ: الْمَاءَ رَبُّ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ (الْعُشْرُ) فَاعِلُ يَجِبُ لِلْخَبَرِ، وَلِنُدْرَةِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِ الْمَاءِ لَا فِي السَّقْيِ بِهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي مِنْ النَّهْرِ فِي سَاقِيَةٍ إلَى الْأَرْضِ وَيَسْتَقِرُّ فِي مَكَان قَرِيبٍ مِنْ وَجْهِهَا إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي تَرْقِيَةِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ إلَى آلَةٍ مِنْ غَرْبٍ أَوْ دُولَابٍ، فَهُوَ مِنْ الْكُلْفَةِ الْمُسْقِطَةِ لِنِصْفِ الْعُشْرِ. (وَلَا يُؤَثِّرُ مُؤْنَةُ حَفْرِ نَهْرٍ) وَقَنَاةٍ لِقِلَّتِهَا، وَلِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ إحْيَاءِ الْأَرْضِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ (وَ) لَا تُؤَثِّرُ مُؤْنَةُ (تَحْوِيلِ مَا فِي سَوَاقٍ؛ لِأَنَّهُ كَحَرْثِ الْأَرْضِ) وَلِأَنَّهُ لِمُلَبِّدٍ مِنْهُ حَتَّى فِي السَّقْيِ بِكُلْفَةٍ (وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مَاءَ بِرْكَةٍ أَوْ حَفِيرَةٍ أَوْ جَمَعَهُ وَسَقَى بِهِ سَيْحًا) فَيَجِبُ الْعُشْرُ لِنُدْرَةِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ (وَ) يَجِبُ (فِيمَا يُسْقَى بِكُلْفَةٍ كَدَوَالٍ): جَمْعُ دَالِيَةٍ (وَهِيَ الدُّولَابُ تُدِيرُهُ الْبَقَرُ وَنَوَاعِيرَ يُدِيرُهَا الْمَاءَ وَنَوَاضِحَ) وَاحِدُهَا نَاضِحٌ وَنَاضِحَةٌ وَهِيَ (إبِلٌ يُسْتَقَى عَلَيْهَا وَكَتَرْقِيَةِ) الْمَاءِ (بِغَرْفٍ وَنَحْوِهِ نِصْفُ الْعُشْرِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عُشْرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَسُمِّيَ عَثْرِيًّا؛ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِي مَجْرَى الْمَاءِ عَاثُورًا، فَإِذَا صَدَمَهُ الْمَاءُ تَرَادَّ فَدَخَلَ تِلْكَ الْمَجَارِي فَتَسْقِيهِ، وَلِأَنَّ لِلْكُلْفَةِ تَأْثِيرًا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ، فَفِي تَخْفِيفِهَا أَوْلَى.
(وَ) يَجِبُ (فِيمَا يَشْرَبُ بِكُلْفَةٍ وَ) بِـ (دُونِهَا نِصْفَيْنِ) أَيْ: نِصْفِ مُدَّتِهِ بِكُلْفَةٍ، وَنِصْفِهَا بِلَا كُلْفَةٍ (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ) نِصْفُهُ لِنِصْفِ الْعَامِ بِلَا كُلْفَةٍ، وَرُبْعُهُ لِلْأُخْرَى (فَإِنْ تَفَاوَتَا)، أَيْ: السَّقْيُ بِكُلْفَةٍ وَالسَّقْيُ بِغَيْرِهَا بِأَنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ (فَالْحُكْمُ لِأَكْثَرِهِمَا)، أَيْ: السَّقْيَيْنِ (نَفْعًا وَنُمُوًّا) نَصًّا، فَلَا اعْتِبَارَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَكَذَا هُنَا. (فَإِنْ جَهِلَ) مِقْدَارَ السَّقْيِ فَلَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ، أَوْ جَهِلَ الْأَكْثَرَ نَفْعًا وَنُمُوًّا (فَالْعُشْرُ) وَاجِبٌ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعُشْرِ تَعَارَضَ فِيهِ مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ، فَغَلَبَ الْمُوجِبُ لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ. (وَمَنْ لَهُ مَا)، أَيْ: حَائِطَانِ أَحَدُهُمَا (يُسْقَى بِكُلْفَةٍ وَ) يُسْقَى الْآخَرُ بِـ (دُونِهَا)، أَيْ: بِلَا كُلْفَةٍ، (ضُمَّا)، أَيْ: ضُمَّتْ ثِمَارُهُمَا وَزُرُوعُهُمَا بَعْضٌ إلَى بَعْضٍ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْعَامِ (فِي) تَكْمِيلِ (النِّصَابِ، ثُمَّ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (حُكْمُ نَفْسِهِ) فِي سَقْيِهِ بِمُؤْنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَيُخْرِجُ مِمَّا يَشْرَبُ بِمُؤْنَةٍ نِصْفُ عُشْرِهِ، وَمِمَّا يَشْرَبُ بِغَيْرِهَا عُشْرُهُ (وَيُصَدَّقُ مَالِكٌ بِلَا يَمِينٍ فِيمَا سَقَى بِهِ مِنْهُمَا)؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُسْتَحْلَفُونَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ، فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ وَالْحَدِّ. (وَيَتَّجِهُ) قَبُولُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ سَقَى بِكُلْفَةٍ (مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ حَبْسٌ) كَكَثْرَةِ أَمْطَارٍ مُتَوَالِيَةٍ، أَوْ مِيَاهٍ لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنْ السَّقْيِ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُصَدَّقُ قَوْلُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ كَامِلًا لِظُهُورِ كَذِبِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَوَقْتُ وُجُوبِ) زَكَاةٍ (فِي حَبٍّ إذَا اشْتَدَّ)؛ لِأَنَّ اشْتِدَادَهُ حَالُ صَلَاحِهِ لِلْأَخْذِ وَالتَّوْسِيقِ وَالِادِّخَارِ (وَ) وَقْتُ وُجُوبِهَا (فِي ثَمَرَةٍ إذَا بَدَا صَلَاحُهَا)، أَيْ: طِيبُ أَكْلِهَا وَظُهُورُ نُضْجِهَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْخَرْصِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِحِفْظِ الزَّكَاةِ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهَا، فَدَلَّ عَلَى تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا بِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ وَالْحَبَّ فِي الْحَالَيْنِ يُقْصَدَانِ لِلْأَكْلِ وَالِاقْتِيَاتِ. (وَيَتَّجِهُ وَ) وَقْتُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (فِي وَرَقِ) سِدْرٍ وَصَعْتَرٍ (عِنْدَ أَوَانِ أَخْذِهِ)؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ كَمَالِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبُهُوتِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْتَهَى وَهُوَ مُتَّجِهٌ (فَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ) مَالِكٌ (الْحَبَّ) بَعْدَ اشْتِدَادِهِ (أَوْ) بَاعَ أَوْ وَهَبَ (الثَّمَرَةَ) بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا (أَوْ تَلِفَا)، أَيْ: الْحَبُّ وَالثَّمَرَةُ (بِتَعَدِّيهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ)، أَيْ: الْمَالِكِ (بَعْدَ) ذَلِكَ، (لَمْ تَسْقُطْ) زَكَاتُهُ. (وَكَذَا لَوْ مَاتَ) بَعْدَ الِاشْتِدَادِ أَوْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ (أَوْ وَرِثَهُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ)، لَمْ يَمْنَعْ دَيْنُهُ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُورِثِ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، لَا عَلَى الْوَارِثِ الْمَدِينِ، (أَوْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ كُلٍّ) مِنْ مُشْتَرٍ وَمُتَّهِبٍ وَوَارِثٍ (نِصَابًا)، لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ لِوُجُوبِهَا فِي عَيْنِ الْمَالِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِمْ قَبْلَ انْتِقَالِهِ. (وَيَصِحُّ) مِمَّنْ بَاعَ حَبًّا أَوْ ثَمَرَةً بَعْدَ الْوُجُوبِ (اشْتِرَاطُ إخْرَاجِ) زَكَاتِهِ (عَلَى مُشْتَرٍ) لِلْعِلْمِ بِهَا، فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى قَدْرَهَا وَوَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِهَا. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ وَاهِبٍ عَلَى (مُتَّهِبٍ) إخْرَاجَ زَكَاةِ حَبٍّ أَوْ ثَمَرَةٍ بَعْدَ الْوُجُوبِ، فَكَأَنَّهُ وَهَبَهُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ وَوَكَّلَهُ فِي إخْرَاجِ الْعُشْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا)، أَيْ: الزَّكَاةَ (مُشْتَرٍ) شُرِطَتْ عَلَيْهِ (وَتَعَذَّرَ رُجُوعُ) سَاعٍ (عَلَيْهِ، أُلْزِمَ بِهَا بَائِعٌ) لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَ(لَا) يَصِحُّ (اشْتِرَاطُ) بَائِعٍ (زَكَاةَ نِصَابِ مَاشِيَةٍ) عَلَى مُشْتَرٍ، بَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ (لِلْجَهَالَةِ) بِالْمُسْتَثْنَى، وَاسْتِثْنَاءُ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمَعْلُومِ يُصَيِّرُهُ مَجْهُولًا (أَوْ)، أَيْ: وَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ زَكَاةِ (مَا اُشْتُرِيَ بِأَصْلِهِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ) عَلَى بَائِعٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْعِوَضِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ (وَ) لَوْ كَانَ الْبَيْعُ، أَوْ الْهِبَةُ، أَوْ مَوْتُ الْمَالِكِ عَمَّنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ نِصَابًا، أَوْ عَنْ مَدِينٍ (قَبْلَ) اشْتِدَادِ الْحَبِّ أَوْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، (تَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ) فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فِي مَسْأَلَتَيْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، وَتَسْقُطُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ (وَلَا زَكَاةَ) عَلَى بَائِعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ. وَكَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلُ وَلَهُ وَرَثَةٌ مَدِينُونَ، أَوْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا (إلَّا إنْ قَصَدَ) بِبَيْعِهِ أَوْ إتْلَافِهِ قَبْلَ وُجُوبِهَا (الْفِرَارَ مِنْهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (فَتَلْزَمُهُ) وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ. (وَيَتَّجِهُ هَذَا)، أَيْ: وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُتْلِفِ فِرَارًا مِنْهَا (إنْ بَاعَهَا لِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ) الزَّكَاةُ كَالذِّمِّيِّ (وَإِلَّا) نَقُلْ بِذَلِكَ بِأَنْ أَوْجَبْنَا عَلَى الْفَارِّ زَكَاةً، وَعَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ أَهْلِهَا أُخْرَى، (أَدَّى) ذَلِكَ (لِوُجُوبِ زَكَاتَيْنِ فِي عَيْنٍ) وَاحِدَةٍ بِعَامٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إجْحَافٌ بِالْمُلَّاكِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُقْبَلُ) مِنْهُ (دَعْوَى عَدَمِهِ)، أَيْ: الْفِرَارِ بِلَا قَرِينَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَ) تُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى (التَّلَفِ) لِلْمَالِ قَبْلَ وُجُوبِ زَكَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ (بِلَا يَمِينٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ أُتْهِمَ) فِيهِ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ)، أَيْ: التَّلَفَ (بـِ) سَبَبٍ (ظَاهِرٍ فَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ)، أَيْ: إنْ السَّبَبُ وُجِدَ، لِإِمْكَانِهِ (ثُمَّ يُصَدَّقُ فِيمَا تَلِفَ) مِنْ مَالِهِ بِذَلِكَ كَالْوَدِيعِ وَالْوَكِيلِ (وَلَا تَسْتَقِرُّ) زَكَاةُ نَحْوِ حَبٍّ وَثَمَرٍ (إلَّا بِجَعْلٍ) لَهُ (فِي جَرِينٍ أَوْ بَيْدَرٍ أَوْ مِسْطَاحٍ): مَوْضِعِ تَشْمِيسِهَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ بِمِصْرَ وَالْعِرَاقِ، وَيُسَمَّى بِالشَّرْقِ وَالشَّامِ الْبَيْدَرَ، وَيُسَمَّى بِالْحِجَازِ الْمِرْبَدَ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ التَّمْرُ لِيَتَكَامَلَ جَفَافُهَا، وَيُسَمَّى بِالْبَصْرَةِ الْجُوجَانُ، وَيُسَمَّى بِلُغَةِ آخَرِينَ الْمِسْطَاحُ، وَبِلُغَةِ آخَرِينَ الطِّبَابَةَ، وَمُسَمَّى الْجَمِيعِ وَاحِدٌ (فَإِنْ تَلِفَتْ) الْحُبُوبُ أَوْ الثِّمَارُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ (قَبْلَ) وَضْعِهَا بِجَرِينٍ وَنَحْوِهِ (بِلَا تَعَدِّيهِ)، أَيْ: مَالِكِهَا (سَقَطَتْ) الزَّكَاةُ (خَرَصَتْ) الثَّمَرَةُ (أَوْ لَا)؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَا لَا تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً فَذَهَبَتْ بِعَطَشٍ أَصَابَهَا وَنَحْوِهِ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِثَمَنِهَا. وَالْخَرْصُ لَا يُوجَبُ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ السَّاعِي لِيَتَمَكَّنَ الْمَالِكُ مِنْ التَّصَرُّفِ، فَوَجَبَ سُقُوطُ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُودِهِ كَعَدَمِهِ. وَإِنْ تَلِفَ الْبَعْضُ زَكَّى الْبَاقِيَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا، وَإِلَّا فَلَا (وَ) إنْ تَلِفَتْ الزُّرُوعُ أَوْ الثِّمَارُ (بَعْدَ اسْتِقْرَارٍ)، أَيْ: وَضْعِهَا بِجَرِينٍ وَنَحْوِهِ (فَلَا) تَسْقُطُ زَكَاتُهَا كَتَلَفِ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ. وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهَا، أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ (وَيَلْزَمُ) رَبَّ مَالٍ (إخْرَاجُ حَبٍّ وَمَعْدِنٍ مُصَفَّى) مِنْ تِبْنِهِ وَقِشْرِهِ (وَ) إخْرَاجُ (ثَمَرٍ يَابِسًا) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ «عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ زَبِيبًا كَمَا يُخْرَصُ التَّمْرُ» وَلَا يُسَمَّى زَبِيبًا وَتَمْرًا حَقِيقَةً إلَّا الْيَابِسُ، وَقِيسَ الْبَاقِي عَلَيْهِمَا، وَلِأَنَّ حَالَ تَصْفِيَةِ الْحَبِّ وَجَفَافِ التَّمْرِ حَالُ كَمَالٍ وَنِهَايَةُ صِفَاتِ ادِّخَارِهِ، وَوَقْتُ لُزُومِ الْإِخْرَاجِ مِنْهُ (فَإِنْ خَالَفَ) وَأَخْرَجَ سُنْبُلًا وَرُطَبًا وَعِنَبًا، لَمْ يُجْزِئْهُ إخْرَاجُهُ، وَ(وَقَعَ نَفْلًا) إنْ كَانَ الْإِخْرَاجُ لِلْفُقَرَاءِ (فَلَوْ أَخَذَهُ سَاعٍ رُطَبًا رَدَّهُ) إنْ كَانَ (بَاقِيًا) لِفَسَادِ الْقَبْضِ (وَ) عَلَيْهِ (ضَمَانُهُ) إنْ كَانَ (تَالِفًا. فَإِنْ جَفَّ) الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ (عِنْدَهُ)، أَيْ: السَّاعِي وَصَفَّاهُ (أَجْزَأَ إنْ كَانَ بِقَدْرِ زَكَاةٍ وَإِلَّا) بِأَنْ نَقَصَ عَنْ الْوَاجِبِ (أَخَذَ) السَّاعِي (التَّفَاوُتَ)، أَيْ: مَا بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ (أَوْ) زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ (رَدَّهُ)، أَيْ: الزَّائِدَ لِمَالِكِهِ، لِبَقَائِهِ فِي مِلْكِهِ (وَيَجُوزُ) لِلْمَالِكِ (قَطْعُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ قَبْلَ كَمَالِهِ لِضَعْفِ أَصْلٍ أَوْ خَوْفِ عَطَشٍ أَوْ تَحْسِينِ بَقِيَّةِ) حَبٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ (وَيَجِبُ) قَطْعُ ثَمَرٍ بَدَا صَلَاحُهُ (إنْ كَانَ رُطَبُهُ لَا يُتَمَّرُ وَعِنَبُهُ لَا يُزَبَّبُ)، أَيْ: لَا يَصِيرُ تَمْرًا وَلَا زَبِيبًا. وَإِنْ قَطَعَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ لِمَصْلَحَةٍ مَا غَيْرَ فَارٍّ مِنْهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ (وَنِصَابُهُ يَابِسًا) بِحَسَبِ مَا يَئُولَ إلَيْهِ إذَا جَفَّ (لِيَخْرُجَ يَابِسٌ). وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى (وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ (يَخْرُجُ مِنْهُ رُطَبٌ وَعِنَبٌ)؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ مُوَاسَاةً، وَلَا مُوَاسَاةَ بِإِلْزَامِهِ مَا لَيْسَ بِمِلْكِهِ (وَعَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَمْعٌ (فـَ) لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُخْرِجَ الْوَاجِبَ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ مُشَاعًا، بِأَنْ يُسَلِّمَ السَّاعِي الْعُشْرَ مَثَلًا شَائِعًا، أَوْ مَقْسُومًا بَعْدَ الْجُذَاذِ أَوْ قَبْلَهُ بِالْخَرْصِ وَ(لِسَاعٍ) التَّخْيِيرُ بَيْنَ مُقَاسَمَةِ رَبِّ الْمَالِ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْجُذَاذِ و(أَخْذُ نَصِيبِ الْفُقَرَاءِ شَجَرَاتٍ) مُفْرَدَةً (خَرْصًا) وَبَيْنَ مُقَامَسَتِهِ بَعْدَ جَذِّهَا بِالْكَيْلِ فِي الرُّطَبِ، وَالْوَزْنِ فِي الْعِنَبِ. وَلِلسَّاعِي بَيْعُ الزَّكَاةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقِسْمٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَبْذُلُ مِنْهَا عِوَضَ مِثْلِهَا، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى اخْتِيَارِ الْقَاضِي وَمُتَابِعِيهِ. وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا يَابِسًا. جَذَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ (وَحَرُمَ قَطْعُ) ثَمَرٍ (مَعَ حُضُورِ سَاعٍ بِلَا إذْنِهِ) لِحَقِّ أَهْلِ الزَّكَاةِ فِيهَا. وَكَوْنِ السَّاعِي كَالْوَكِيلِ عَنْهُمْ. وَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ بِحَسَبِ الْغَالِبِ.

.[الإمامُ يبعثُ خَارِصَ الثمارِ]:

(وَسُنَّ) لِإِمَامٍ (بَعْثُ خَارِصٍ)، أَيْ: حَازِرٍ يَطُوفُ بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ، ثُمَّ يَحْزِرُ قَدْرَ مَا عَلَيْهَا جَافًّا (لِثَمَرَةِ نَخْلٍ وَكَرْمٍ بَدَا صَلَاحُهَا)، أَيْ: الثَّمَرَةِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إلَى يَهُودَ لِيَخْرُصَ عَلَيْهِمْ النَّخْلَ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد «لِكَيْ يُحْصِيَ الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُفَرَّقَ» وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ عَلَى النَّاسِ مَنْ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ كُرُومَهُمْ وَثِمَارَهُمْ»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ خَرَصَ عَلَى امْرَأَةٍ بِوَادِي الْقُرَى حَدِيقَةً لَهَا» وَحَدِيثُهَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ. وَقَوْلُ الْمَانِعِ إنَّهُ خَطَرٌ وَغَرَرٌ يُرَدُّ بِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِغَالِبِ الظَّنِّ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ وَالْمُجْتَهَدَاتِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَسَائِرِ الظَّوَاهِرِ الْمَعْمُولِ بِهَا، وَإِنْ احْتَمَلَتْ الْخَطَأَ. (وَيَكْفِي) خَارِصٌ (وَاحِدٌ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلِأَنَّهُ يُنَفِّذُ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ كَقَائِفٍ وَحَاكِمٍ (وَشُرِطَ كَوْنُهُ)، أَيْ: الْخَارِصِ (مُسْلِمًا أَمِينًا مُكَلَّفًا عَدْلًا خَبِيرًا) بِخَرْصٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْخَبِيرِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَلَا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ (لَا يُتَّهَمُ) بِكَوْنِهِ مِنْ عَمُودِيِّ نَسَبٍ مَخْرُوصٍ عَلَيْهِ، دَفْعًا لِلرِّيبَةِ. (وَلَوْ) كَانَ (عَبْدًا) كَالْفَتْوَى وَرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ (وَأُجْرَتُهُ)، أَيْ: الْخَارِصِ (عَلَى رَبِّ ثَمَرٍ) لِعَمَلِهِ فِي مَالِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُ خَارِصًا) مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ (فَعَلَى مَالِكِهَا)، أَيْ: الثَّمَرَةِ (فِعْلُ مَا يَفْعَلُهُ خَارِصٌ) فَيَخْرُصُ الثَّمَرَةَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِثِقَةٍ عَارِفٍ (لِيَعْرِفَ) قَدْرَ (مَا يَجِبُ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ) فِي الثَّمَرِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْلَفٌ فِيهِ. وَإِنْ أَرَادَ إبْقَاءَهُ إلَى الْجُذَاذِ وَالْجَفَافِ لَمْ يَحْتَجْ لِخَرْصٍ (وَلِخَارِصٍ) أَوْ رَبِّ مَالٍ إنْ لَمْ يُبْعَثْ لَهُ خَارِصٌ (الْخَرْصُ كَيْفَ شَاءَ) إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ. فَإِنْ شَاءَ خَرَصَ (كُلَّ شَجَرَةٍ) مِنْ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ (عَلَى حِدَةٍ أَوْ) خَرَصَ الْجَمِيعَ (دَفْعَةً) وَاحِدَةً، بِأَنْ يَطُوفَ بِهِ، وَيَنْظُرَ كَمْ فِيهِ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا، ثُمَّ مَا يَجِيءُ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ. (وَيَجِبُ خَرْصُ) ثَمَرٍ (مُتَنَوِّعٍ) كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ (وَ) يَجِبُ (تَزْكِيَةُ) الْمُتَنَوِّعِ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ (كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ) فَيُخْرِجُ عَنْ الْجَيِّدِ جَيِّدًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ رَدِيءٌ، وَلَا يُلْزَمُ بِإِخْرَاجِ جَيِّدٍ عَنْ رَدِيءٍ (وَلَوْ شَقَّ) عَلَيْهِ خَرْصُ وَتَزْكِيَةُ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ لِاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ حَالَ الْجَفَافِ قِلَّةً وَكَثْرَةً بِحَسَبِ اللَّحْمِ وَالْمَاوِيَّةِ (وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ نَوْعٍ عَنْ) نَوْعٍ (آخَرَ) مِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ لَا بِالْقِيمَةِ فَلَوْ تَطَوَّعَ رَبُّ الْمَالِ بِإِخْرَاجِ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ جَازَ، وَلَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ.
وَ(لَا) يُجْزِئُ إخْرَاجُ (جِنْسٍ عَنْ) جِنْسِ (آخَرَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خُذْ الْحَبَّ مِنْ الْحَبَّ، وَالْإِبِلَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرَ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمَ مِنْ الْغَنَمِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ (وَظَاهِرُ مَا يَأْتِي فِي النَّقْدِ إجْزَاءِ نَوْعٍ رَدِيءٍ عَنْ) نَوْعٍ (جَيِّدٍ) بِالْقِيَمِ (مَعَ الْفَضْلِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَثْمَانِ النَّفْعُ بِالْقِيمَةِ، وَمِنْ غَيْرِهَا النَّفْعُ بِالْعَيْنِ، فَافْتَرَقَا. (وَيَجِبُ تَرْكُهُ)، أَيْ: الْخَارِصِ (لِرَبِّ ثَمَرَةٍ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبْعَ فَيَجْتَهِدُ) خَارِصٌ فِي أَيِّهِمَا يَتْرُكُ (بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ) لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ مَرْفُوعًا «فَجُذُّوا وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ، فَدَعُوا الرُّبْعَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَلِمَا يَعْرِضُ لِلثِّمَارِ، وَهَذَا تَوْسِعَةٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْأَكْلِ هُوَ وَأَضْيَافُهُ وَجِيرَانُهُ وَأَهْلُهُ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا الْمَارَّةُ، وَفِيهَا السَّاقِطَةُ، فَلَوْ اسْتَوْفَى الْكُلُّ أَضَرَّ بِهِمْ، (فَإِنْ أَبَى) خَارِصٌ التَّرْكَ (فَلِرَبِّ الْمَالِ أَكْلُ قَدْرِ ذَلِكَ)، أَيْ: الثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ نَصًّا (لَا هَدِيَّةٌ)، أَيْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ مِنْ الْحُبُوبِ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهَا شَيْئًا.
قَالَ أَحْمَدُ، وَقَدْ سَأَلَهُ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ فَرِيكِ السُّنْبُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ صَاحِبُهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. قَالَ: فَيُهْدِي لِلْقَوْمِ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا حَتَّى يُقَسَّمَ وَأَمَّا مَا يَتْرُكُهُ لَهُ الْخَارِصُ (مِنْ ثَمَرٍ) فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُتُونِ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ.
(وَ) يَأْكُلُ مَالِكٌ (مِنْ حَبِّ الْعَادَةِ وَمَا يَحْتَاجُهُ وَلَا يُحْتَسَبُ) ذَلِكَ (عَلَيْهِ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ غَلَّتِهِ بِقَدْرِ مَا يَأْكُلُ هُوَ وَعِيَالُهُ وَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ (وَيُكْمِلُ بِهِ)، أَيْ: بِمَا لَهُ أَكْلُهُ (النِّصَابَ إنْ لَمْ يَأْكُلْهُ)؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَهُ (وَتُؤْخَذُ زَكَاةُ مَا سِوَاهُ بِالْقِسْطِ) فَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ كُلُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا، حُسِبَ الرُّبْعُ الَّذِي كَانَ لَهُ أَكْلُهُ مِنْ النِّصَابِ فَيُكْمَلُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ الْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ وَسْقٍ (وَيُزَكِّي) رَبُّ مَالٍ (مَا تَرَكَهُ خَارِصٌ مِنْ وَاجِبٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِتَرْكِ الْخَارِصِ (وَ) يُزَكِّي رَبُّ مَالٍ (مَا زَادَ عَلَى قَوْلِهِ)، أَيْ: الْخَارِصِ أَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ كَذَا (عِنْدَ جَفَافٍ) لِمَا سَبَقَ.
وَ(لَا) يُزَكِّي رَبُّ مَالٍ (مَا نَقَصَ) عَنْ قَوْلِ الْخَارِصِ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ (وَمَا تَلِفَ مِنْ عِنَبٍ أَوْ رُطَبٍ بِفِعْلِ مَالِكٍ) هِمَا (أَوْ تَفْرِيطِهِ ضَمِنَ زَكَاتَهُ)، أَيْ: التَّالِفِ (بِخَرْصِهِ زَبِيبًا أَوْ تَمْرًا)، أَيْ: بِمَا كَانَ يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا لَوْ لَمْ يَتْلَفْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَلْزَمُهُ تَجْفِيفُ الرُّطَبِ، وَالْعِنَبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لَوْ أَتْلَفَهُمَا، فَيَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا. وَإِنْ تَلِفَا لَا بِفِعْلِ مَالِكٍ وَلَا بِتَفْرِيطِهِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُمَا، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يَخْرُصُ غَيْرَ نَخْلٍ وَكَرْمٍ)؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِهِمَا، وَثَمَرَتُهُمَا تَجْتَمِعُ فِي الْعُذُوقِ وَالْعَنَاقِيدِ، فَيُمْكِنُ إتْيَانُ الْخَرْصِ عَلَيْهَا، وَالْحَاجَةُ إلَى أَكْلِهَا رَطْبَةً أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهَا، فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ. وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُ الْحُبُوبَ (وَيُقْبَلُ مِنْ مَالِكٍ بِلَا يَمِينٍ دَعْوَى غَلَطِ) خَارِصٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِي غَيْرُ كَذَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ بَعْضُهُ بِآفَةٍ لَا يَعْلَمُهَا (أَوْ)، أَيْ: وَيُقْبَلُ مِنْ مَالِكٍ بِلَا يَمِينٍ دَعْوَى (عَمْدِ خَارِصٍ) الْكَذِبَ عَلَيْهِ، هَكَذَا فِي النُّسَخِ. وَالصَّوَابُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ الظَّنُّ أَنَّ الْخَارِصَ أَمِينٌ، وَالْأَمِينُ لَا يَكْذِبُ، وَمَحِلُّ قَبُولِ دَعْوَى الْمَالِكِ غَلَطُ خَارِصٍ، (إنْ احْتَمَلَ) الْغَلَطَ كَالسُّدُسِ (فَإِنْ فَحَشَ) مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ مِنْ غَلَطِ الْخَارِصِ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ، (فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَل، فَيُعْلَمُ كَذِبُهُ.

.(فَرْعٌ): [في الْخَرْصِ]:

(الْخَرْصُ: حَزْرُ مِقْدَارِ ثَمَرَةِ) نَخْلٍ وَكَرْمٍ (فِي رُءُوسِ شَجَرِهَا كَمْ تَبْلُغُ تَمْرًا) أَوْ زَبِيبًا (وَذَكَرَ) أَبُو الْمَعَالِي (بْنُ الْمُنَجَّى أَنَّ نَخْلَ الْبَصْرَةِ لَا يُخْرَصُ لِلْمَشَقَّةِ) وَلِكَثْرَتِهِ وَقِلَّةِ ثَمَنِهِ، فَلَا يَخْرُصُ عَلَيْهِ فِيهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ، فَإِنَّهُمْ يَتَغَالَوْنَ بِهِ لِعِزَّتِهِ، (وَادَّعَى) أَبُو الْمَعَالِي (عَلَى ذَلِكَ)، أَيْ: عَدَمِ خَرْصِ نَخْلِ الْبَصْرَةِ (الْإِجْمَاعَ) مِنْ أَصْحَابِنَا وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

.(فَصْلٌ): [زكاةُ المستعارِ والمستأجَرِ]:

(وَالزَّكَاةُ) فِي خَارِجٍ مِنْ أَرْضٍ مُسْتَعَارَةٍ (عَلَى مُسْتَعِيرٍ) دُونَ مُعِيرٍ، (وَ) الزَّكَاةُ فِي خَارِجٍ مِنْ أَرْضٍ مُؤَجَّرَةٍ عَلَى (مُسْتَأْجِرِ) أَرْضٍ (دُونَ مَالِكِ) هَا؛ لِأَنَّهَا زَكَاةُ مَالٍ فَكَانَتْ عَلَى مَالِكِهِ كَالسَّائِمَةِ، وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا يَتَّجِرُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حُقُوقِ الزَّرْعِ، وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ تُزْرَعُ لَمْ تَجِبْ، وَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الزَّرْعِ، وَعَكْسُهُ الْخَرَاجُ، فَهُوَ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ دُونَ مُسْتَعِيرِهَا وَمُسْتَأْجِرِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ، وَلَا زَكَاةَ فِي قَدْرِ الْخَرَاجِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُقَابِلُهُ؛ لِأَنَّهُ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، وَلِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ الْأَرْضِ كَنَفَقَةِ زَرْعِهِ مِنْ أُجْرَةِ الْحَرْثِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ مُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ.
(وَ) إذَا لَمْ يَكُنْ لِمَالِكٍ لِأَرْضٍ سِوَى غَلَّتِهَا وَفِيهَا مَا فِيهِ زَكَاةٌ، كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَنَحْوِهِ، وَفِيهَا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ ف (يُجْعَلُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ) الزَّكَاةُ (كَخُضَرٍ) مِنْ بِطِّيخٍ وَيَاقْطِينٍ وَقِثَّاءٍ وَنَحْوِهَا (وَيُزَكِّي مَا تَجِبُ فِيهِ) الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ إلَّا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَدَّى الْخَرَاجَ مِنْ غَلَّتِهَا وَزَكَّى مَا بَقِيَ (وَإِنْ حَصَدَ غَاصِبٌ أَرْضِ زَرْعِهِ) مِنْ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، بِأَنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ رَبُّهُ قَبْلَ حَصَادِهِ (زَكَّاهُ) غَاصِبٌ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (وَيُزَكِّيهِ)، أَيْ: الزَّرْعَ (رَبُّهَا)، أَيْ: الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ (إنْ تَمَلَّكَهُ)، أَيْ: الزَّرْعَ (قَبْلَ حَصَادِهِ وَلَوْ بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ) قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ وَالْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِمِثْلِ بَذْرِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ تَمَلَّكَهُ رَبُّ الْأَرْضِ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ زَكَّاهُ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْغَصْبِ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (فَإِنَّهُ)، أَيْ: الْمَالِكَ (اسْتَنَدَ) مِلْكُهُ (إلَى أَوَّلِ زَرْعِهِ) فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ حِينَئِذٍ (وَيَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي) أَرْضٍ (خَرَاجِيَّةٍ) نَصًّا، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} وَحَدِيثِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَغَيْرِهِ، فَالْخَرَاجُ فِي رَقَبَتِهَا سَوَاءٌ زَرَعَتْ أَوْ لَا، لَمُسْلِمٍ كَانَتْ أَوْ كَافِرٍ. وَالْعُشْرُ فِي غَلَّتِهَا، وَلِأَنَّ سَبَبَ الْخَرَاجِ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَسَبَبَ الْعُشْرِ وُجُودُ الْمَالِ، فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا، كَأُجْرَةِ حَانُوتِ الْمَتْجَرِ وَزَكَاتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُخْتَلِفَانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ، فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا، كَالْجَزَاءِ وَقِيمَةِ الصَّيْدِ. وَالْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ «لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» ضَعِيفٌ جِدًّا.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى الْخَرَاجِ الَّذِي هُوَ الْجِزْيَةُ. وَلَوْ كَانَ عُقُوبَةً لَمَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ كَالْجِزْيَةِ (وَهِيَ) أَيْ: الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: إحْدَاهَا: (مَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَمْ تُقَسَّمْ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ.
(وَ) الثَّانِيَةُ: (مَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا خَوْفًا مِنَّا. وَ) الثَّالِثَةُ: (مَا صُولِحُوا)، أَيْ: أَهْلُهَا (عَلَى أَنَّهَا لَنَا وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ) الَّذِي يَضْرِبُهُ عَلَيْهَا الْإِمَامُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْأَرَاضِي الْمَغْنُومَةِ. وَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فِي قَدْرِ الْخَرَاجِ إذَا لَمْ يَكُ لَهُ مَالٌ آخَرُ يُقَابِلُهُ، فَإِنْ كَانَ فِي غَلَّتِهَا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ، كَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ وَخَضْرَاوَاتٍ، وَفِيهَا زَرْعٌ فِيهِ الزَّكَاةُ، جَعَلَ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرَاجِ إنْ وَفَّى بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْفُقَرَاءِ وَزَكَّى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَلَّةٌ إلَّا مَا فِيهِ الزَّكَاةُ أَدَّى الْخَرَاجَ مِنْ غَلَّتِهَا، وَزَكَّى الْبَاقِيَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا (وَ) الْأَرْضُ (الْعُشْرِيَّةُ) خَمْسَةُ أَضْرُبٍ، إحْدَاهَا: (مَا أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا كَالْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ، وَجُوَاثَى مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ.
(وَ) الثَّانِيَةُ: (مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ كَالْبَصْرَةِ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ، بُنِيَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ بَعْدَ وَقْفِ السَّوَادِ، وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِي حَدِّهِ دُونَ حُكْمِهِ (وَوَاسِطُ) مِثْلُهَا.
(وَ) الثَّالِثَةُ: (مَا صُولِحَ أَهْلُهَا عَلَى أَنَّهَا)، أَيْ: الْأَرْضَ (لَهُمْ بِخَرَاجٍ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ كَالْيَمَنِ. وَ) الرَّابِعَةُ: (مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِّمَ) بَيْنَ غَانِمِيهِ (كَنِصْفِ خَيْبَرَ): بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى جِهَةِ الشَّامِ، ذَاتُ نَخِيلٍ وَمَزَارِعَ وَحُصُونٍ، وَهِيَ بِلَادُ طَيِّئٍ، فَتَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَائِلِ سَنَةِ سَبْعٍ.
(وَ) الْخَامِسَةُ: (مَا أَقْطَعَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ السَّوَادِ)، أَيْ: أَرْضِ الْعِرَاقِ (إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَالْأَرْضُونَ الَّتِي يَمْلِكُهَا أَرْبَابُهَا لَيْسَ فِيهَا خَرَاجٌ مِثْلُ هَذِهِ الْقَطَائِعِ الَّتِي أَقْطَعَهَا عُثْمَانُ فِي السَّوَادِ لِسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَخَبَّابٌ.
قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَقْطَعَهُمْ مَنَافِعَهَا وَخَرَاجَهَا. وَلِلْإِمَامِ إسْقَاطُ الْخَرَاجِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْقَاضِي هَذَا أَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا الْأَرْضَ، بَلْ أُقْطِعُوا الْمَنْفَعَةَ، وَأُسْقِطَ الْخَرَاجُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ هَذَا الْقِسْمَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ، انْتَهَى.
وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ السَّوَادِ وَقْفٌ، فَلَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ. لَكِنْ يَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ مِنْ الْإِمَامِ وَوَقْفُهُ لَهُ، فَلِذَلِكَ أَبْقَى الْأَكْثَرُ كَلَامَ الْإِمَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ تَمْلِيكٌ (وَأَخْذُ الْخَرَاجِ مِنْ) الْأَرْضِ (الْعُشْرِيَّةِ ظُلْمٌ) إجْمَاعًا، لِدُخُولِهِ فِي إقْطَاعِ الْإِمَامِ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، (وَلِأَهْلِ الذِّمَّةِ شِرَاءُ) أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ أَوْ خَرَاجِيَّةٍ مِنْ مُسْلِمٍ.
(وَ) لَهُمْ أَيْضًا (اسْتِئْجَارُ) أَرْضٍ (عُشْرِيَّةٍ وَخَرَاجِيَّةٍ) مِنْ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُمَا مَالُ مُسْلِمٍ يَجِبُ فِيهِ حَقٌّ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ، فَلَمْ يُمْنَعْ الذِّمِّيُّ مِنْ شِرَائِهِ كَالسَّائِمَةِ (وَيُكْرَهُ لِ) مُسْلِمٍ بَيْعُهَا أَوْ إجَارَتُهَا أَوْ إعَارَتُهَا لِذِمِّيٍّ (غَيْرِ تَغْلِبِيٍّ) لِإِفْضَائِهِ إلَى إسْقَاطِ عُشْرِ الْخَارِجِ مِنْهَا. وَأَمَّا التَّغْلِبِيُّ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ شِرَائِهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرَانِ يُصْرَفَانِ مَصْرِفَ الْجِزْيَةِ، وَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا، وَصُرِفَ الْآخَرُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ. وَلَا تَصِيرُ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ إذَا اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ خَرَاجِيَّةً، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ تَغْلِبِيٌّ. وَدَعْوَى كَوْنِ الْعُشْرِ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ مَمْنُوعٌ، بَلْ هُوَ مِنْ حُقُوقِ الزَّرْعِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ عُشْرٌ إذَا لَمْ تُزْرَعْ. وَمَعْنَى شِرَاءِ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، قَبُولُهَا بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ، وَلَيْسَ بَيْعًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا إذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ، وَحَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ. (وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ)، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ (فِيهَا)، أَيْ: فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ أَوْ الْخَرَاجِيَّةِ إذَا اشْتَرُوهُمَا أَوْ اسْتَأْجَرُوهُمَا وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ زَكَاةٌ وَقُرْبَةٌ، وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا (وَلَا خَرَاجَ) عَلَيْهِمْ فِي الْأَرْضِ غَيْرِ الْخَرَاجِيَّةِ (كَمُسْلِمٍ) أَوْ ذِمِّيٍّ (جَعَلَ دَارِهِ مَزْرَعَةً) أَوْ بُسْتَانًا، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ فِيمَا زَرَعَهُ أَوْ غَرَسَهُ فِيهَا (أَوْ أَحْيَا) الْمُسْلِمُ (مَوَاتًا) ثُمَّ زَرَعَهُ أَوْ غَرَسَهُ، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ خَرَاجُ مَا أَحْيَاهُ مِنْ مَوَاتٍ عَنْوَةً، وَيَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ (أَوْ أَقْطَعَهُ)، أَيْ: أَقْطَعَ (إمَامٌ) مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَرْضًا مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَزَرَعَهَا أَوْ غَرَسَهَا، فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ فِيهَا.

.(فَصْلٌ): [زكاة العسلِ]:

(وَ) يَجِبُ (فِي الْعَسَلِ) مِنْ النَّحْلِ (الْعُشْرُ) قَالَ الْأَثْرَمُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَنْتَ تَذْهَبُ إلَى أَنَّ فِي الْعَسَلِ زَكَاةً؟ قَالَ: نَعَمْ، أَذْهَبُ إلَى أَنَّ فِي الْعَسَلِ زَكَاةَ الْعُشْرِ، قَدْ أَخَذَ عُمَرُ مِنْهُمْ الزَّكَاةَ. قُلْت: ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ يَطَّوَّعُونَ، قَالَ: لَا بَلْ أُخِذَ مِنْهُمْ (سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ) كَرُءُوسِ الْجِبَالِ (أَوْ) أُخِذَ مِنْ أَرْضٍ (مَمْلُوكَةٍ) وَلَوْ (لِغَيْرِهِ) عُشْرِيَّةٍ أَوْ خَرَاجِيَّةٍ (لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ) أَرْضٍ وُجِدَ فِيهَا (كَصَيْدٍ) وَطَائِرٍ يُعَشِّشُ بِمِلْكِهِ، لِمَا رَوَى عَمْرو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْخَذُ فِي زَمَانِهِ مِنْ قِرَبِ الْعَسَلِ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ مِنْ أَوْسَطِهَا» رَوَاه أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْأَثْرَمُ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي نَحْلًا. قَالَ: فَأَدِّ الْعُشُورَ. قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، احْمِ لِي جَبَلَهَا قَالَ: فَحَمَى لِي جَبَلَهَا» رَوَاه أَحْمَدُ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا سُلَيْمَانَ الْأَشْدَقَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ. وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا سَيَّارَةَ، وَلِذَلِكَ احْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عُمَرَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعَسَلِ وَاللَّبَنِ بِأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي أَصْلِ اللَّبَنِ وَهُوَ السَّائِمَةُ، بِخِلَافِ الْعَسَلِ، وَبِأَنَّ الْعَسَلَ مَأْكُولٌ فِي الْعَادَةِ، مُتَوَكِّدٌ مِنْ الشَّجَرِ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ، فَأَشْبَهَ التَّمْرَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّحْلَ يَقَعُ عَلَى نَوْرِ الشَّجَرِ فَيَأْكُلُهُ، فَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ (وَنِصَابُهُ)، أَيْ: الْعَسَلِ (مِائَةٌ وَسِتُّونَ رَطْلًا عِرَاقِيَّةً) وَمِائَةٌ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رَطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ مِصْرِيٍّ، وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَطْلًا وَسُبْعَا رَطْلٍ دِمَشْقِيٍّ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ حَلَبِيٍّ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رَطْلًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ قُدْسِيٍّ، وَعِشْرُونَ رَطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ بَعْلِيٍّ. (وَهِيَ عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ كُلُّ فَرَقٍ: سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا) عِرَاقِيَّةً، لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّ نَاسًا سَأَلُوهُ فَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ لَنَا وَادِيًا بِالْيَمَنِ، فِيهِ خَلَايَا مِنْ نَحْلٍ، وَإِنَّا نَجِدُ نَاسًا يَسْرِقُونَهَا. فَقَالَ عُمَرُ: إنْ أَدَّيْتُمْ صَدَقَتَهَا مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ أَفْرَاقٍ فَرَقًا حَمَيْنَاهَا لَكُمْ وَهَذَا تَقْدِيرٌ مِنْ عُمَرَ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ: مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ. ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ. فَحَمْلُ كَلَامِ عُمَرَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بِبَلَدِهِ أَوْلَى، وَهُوَ سِتَّةُ أَقْسَاطٍ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ مُدًّا. وَأَمَّا الْفَرْقُ بِسُكُونِ الرَّاءِ: فَمِكْيَالٌ ضَخْمٌ مِنْ مَكَايِيلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قَالَهُ الْخَلِيلُ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ: يَسَعُ مِائَةً وَعِشْرِينَ رَطْلًا. (وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الشَّجَرِ كَمَنٍّ وترنجبيل وشيرخشك ولادن وَهُوَ طَلٌّ يَنْزِلُ عَلَى نَبْتٍ تَأْكُلُهُ الْمَعْزُ فَتَعْلَقُ تِلْكَ الرُّطُوبَةُ بِهَا فَتُؤْخَذُ) لِعَدَمِ النَّصِّ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ. (وَتَضْمِينُ أَمْوَالِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ بَاطِلٌ) نَصًّا (لِعَدَمِ) جَوَازِ (تَمَلُّكِ زَائِدٍ) عَنْ الْقَدْرِ الْمَضْمُونِ بِهِ، بَلْ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ، (وَ) يَقْتَضِي (غُرْمَ نَقْصٍ) عَنْهُ (وَهُوَ)، أَيْ: تَمَلُّكُ الزَّائِدِ، وَغُرْمُ مَا نَقَصَ (مُنَافٍ لِمَوْضُوعِ الْعَمَالَةِ وَحُكْمِ الْأَمَانَةِ) سُئِلَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ عَنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «الْقَبَالَاتُ رِبًا» قَالَ هُوَ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْقَرْيَةَ وَفِيهَا الْعُلُوجُ وَالنَّخْلُ، فَسَمَّاهُ رِبًا، أَيْ: فِي حُكْمِ التَّحْرِيمِ وَالْبُطْلَانِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إيَّاكُمْ وَالرِّبَا، أَلَا وَهِيَ الْقَبَالَاتُ، أَلَا وَهِيَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ» قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْقَبِيلُ: الْكَفِيلُ وَالْعَرِّيفُ، وَقَدْ قَبِلَ بِهِ يَقْبَلُ، وَيَقْبَلُ قَبَالَةً، وَنَحْنُ فِي قَبَالَتِهِ، أَيْ: عَرَافَتِهِ.
تَتِمَّةٌ:
وَتَجُوزُ الزَّكَاةُ إذَا رُفِعَتْ لِمَنْ الْتَزَمَ بِهَا بِمَالٍ مَعْلُومٍ، وَكَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَضَلَ عَلَيْهِ مِمَّا الْتَزَمَ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ زَادَ الْمَالُ الَّذِي الْتَزَمَ بِهِ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْإِمَامِ.

.(فَصْلٌ): [زكاةُ المعدنِ]:

(وَفِي الْمَعْدِنِ) بِكَسْرِ الدَّالِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي عَدَنَ بِهِ الْجَوْهَرُ وَنَحْوُهُ، سُمِّيَ بِهِ لِعُدُونِ مَا أَنْبَتَهُ اللَّهُ فِيهِ، أَيْ: إقَامَتِهِ بِهِ، مِنْ تَسْمِيَةِ الْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحِلِّ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمَعْدِنِ يُوصَفُ بِهِ الْمُسْتَقِرُّ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَحْصَيْتُ الْمَعَادِنَ فَوَجَدْتُ تِسْعَمِائَةِ مَعْدِنٍ. (وَهُوَ)، أَيْ: الْمَعْدِنُ (كُلُّ مُتَوَلِّدٍ فِي الْأَرْضِ لَا مِنْ جِنْسِهَا)، أَيْ: الْأَرْضِ لِيُخْرِجَ التُّرَابَ. (وَلَا نَبَاتَ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ وَيَاقُوتٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ وَزَبَرْجَدٍ وفيروزج) حَجَرٌ أَخْضَرُ مَشُوبٌ بِزُرْقَةٍ يُوجَدُ بِخُرَاسَانَ. وَزَعَمَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ يَصْفُو بِصَفَاءِ الْجَوِّ، وَيَتَكَدَّرُ بِكَدَرِهِ (وبلخش) وَهُوَ والبنفش والبجاري مِنْ أَشْبَاهِ الْيَاقُوتِ، كَمَا أَنَّ الزَّبَرْجَدَ وَالْمَاسَ مِنْ أَشْبَاهِ الزُّمُرُّدِ، وَيُؤْتَى بِهِ مِنْ بلخشان الْعَجَمِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحْمَرُ وَأَخْضَرُ وَأَصْفَرُ، وَأَجْوَدُهُ الْأَحْمَرُ. (وَصُفْرٍ وَرَصَاصٍ وَحَدِيدٍ وَكُحْلٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ وَكِبْرِيتٍ وَزِفْتٍ وَمِلْحٍ وَزِئْبَق) بِكَسْرِ الزَّايِ وَالْبَاءِ وَبِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَقَارٍ وَنِفْطٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْفَاءِ (وَمُومْيَا) قَالَ فِي مِنْهَاجِ الْبَيَانِ هِيَ مَعْدِنٌ فِي قُوَّةِ الزِّفْتِ (وسندروس وَزُجَاجٍ) بِتَثْلِيثِ الزَّايِ بِخِلَافِ زِجَاجٍ، جَمْعِ: زُجٍّ: الرُّمْحُ، فَإِنَّهُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ. (وَزَاجٍّ وَيَشْمٍ وَرُخَامٍ وَ) حَجَرِ (مِسَنٍّ وَنَحْوِهِ) كَبِرَامٍ وَهُوَ الصَّوَّانُ، وَحَدِيثُ: «لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ» إنْ صَحَّ، مَحْمُولٌ عَلَى الْأَحْجَارِ الَّتِي لَا يُرْغَبُ فِيهَا عَادَةً، قَالَهُ الْقَاضِي. (مِمَّا يُسَمَّى مَعْدِنًا) قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَعْدِنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، حَيْثُ كَانَ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي الْبَرَارِيِّ (إذَا اُسْتُخْرِجَ رُبْعُ الْعُشْرِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ} وَلِأَنَّهُ مَالٌ لَوْ غَنِمَهُ أَخْرَجَ خُمُسَهُ، فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مَعْدِنٍ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ، كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مِنْ عَيْنِ نَقْدٍ)، أَيْ: ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (وَ) مِنْ (قِيمَةِ غَيْرِهِ)، أَيْ: النَّقْدِ يُصْرَفُ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ، لِحَدِيثِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَبِي دَاوُد «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ الْمَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةَ» وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرْعِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ، وَالْقَبَلِيَّةُ: بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، هِيَ نَاحِيَةٌ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ (بِشَرْطِ كَوْنِ مُخْرِجِ) ذَلِكَ (مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ، وَلَوْ صَغِيرًا. فَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَدِينًا دَيْنًا يَنْقُصُ بِهِ النِّصَابُ لَمْ تَلْزَمُهُ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ. وَحَدِيثُ: «الْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: الْمَعْدِنُ جُبَارٌ إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَجِيرِ شَيْءٌ (وَ) بِشَرْطِ (بُلُوغِهِمَا)، أَيْ: النَّقْدِ، وَقِيمَةِ غَيْرِهِ (نِصَابًا بَعْدَ سَبْكٍ وَتَصْفِيَةٍ) كَحَبٍّ وَثَمَرٍ. فَلَوْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرٍ بِتُرَابِهِ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِ رُدَّ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ آخِذٍ فِي قَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، فَإِنْ صَفَّاهُ فَكَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَجْزَأَ، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَى الْمُخْرِجِ النَّقْصُ، وَإِنْ زَادَ رَدَّ الْقَابِضُ الزِّيَادَةَ، إلَّا أَنْ يَسْمَحَ لَهُ بِهَا الْمُخْرِجُ، وَهَذَا إنْ كَانَ الْقَابِضُ السَّاعِيَ- وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَابِضُ الْفَقِيرَ فَلَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ. (وَلَا يُحْتَسَبُ بِمُؤْنَتِهِمَا)، أَيْ: السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ، فَيُسْقِطُهَا وَيُزَكِّي الْبَاقِيَ، بَلْ يُزَكِّي الْكُلَّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ دَيْنًا، كَمُؤْنَةِ حَصَادٍ وَدِيَاسٍ. (وَلَا) يُحْتَسَبُ بِـ (مُؤْنَةِ اسْتِخْرَاجِ) مَعْدِنٍ (إنْ لَمْ تَكُنْ دَيْنًا) فَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا زَكَّى مَا سِوَاهَا كَالْخَرَاجِ لِسَبْقِهَا الْوُجُوبَ. (وَيُضَمُّ مَا اُسْتُخْرِجَ) مِنْ مَعْدِنٍ فِي (دَفَعَاتٍ) كَثِيرَةٍ (لَمْ يُهْمَلْ عَمَلٌ بَيْنَهَا)، أَيْ: الدَّفَعَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَأَدَّى إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهِ لِبُعْدِ اسْتِخْرَاجِ نِصَابٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً (بِلَا عُذْرٍ كَمَرَضٍ وَإِصْلَاحِ آلَةٍ) وَسَفَرٍ وَاشْتِغَالٍ بِتُرَابٍ يَخْرُجُ بَيْنَ النِّيلَيْنِ، أَوْ هَرَبِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إعْرَاضًا، أَوْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ وَلَمْ يُهْمِلْ الْعَمَلَ (بَعْدَ زَوَالِهِ)، أَيْ: الْعُذْرِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)، أَيْ: فَلَا يَنْقَطِعُ الْعَمَلُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهَا حَدُّ تَرْكِ الْإِهْمَالِ حَكَاهُ فِي الْمُبْدِعِ عَنْ ابْنِ الْمُنَجَّى (فَإِنْ أَهْمَلَهُ)، أَيْ: الْعَمَلَ (لِغَيْرِ عُذْرٍ ثَلَاثًا) فَأَكْثَرَ (فَلِكُلِّ مَرَّةٍ حُكْمُ نَفْسِهَا) فَمَا بَلَغَتْ نِصَابًا زَكَّاهُ، وَمَا بَلَغَتْ دُونَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا. فَإِنْ أَخْرَجَ دُونَ النِّصَابِ، ثُمَّ تَرَكَ الْعَمَلَ مُهْمِلًا لَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ بَقِيَّةَ النِّصَابِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِمَا، وَإِنْ بَلَغَا بِمَجْمُوعِهِمَا نِصَابًا لِفَوَاتِ الشَّرْطِ. (وَيَتَّجِهُ): مَحِلُّ سُقُوطِهَا فِيمَا لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا (إنْ لَمْ يَكُنْ فَارًّا) مِنْ الزَّكَاةِ بِإِهْمَالِهِ الْعَمَلَ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمُّ مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ. قَالَهُ فِي الشَّرْحِ بِمَعْنَاهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَمَنْ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِ لَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ، فَلَوْ وَهَبَتْ) مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا (مَالًا لِمَنْ تَثِقُ بِهِ) لِيَشْتَرِيَ مَمْلُوكًا، فَاشْتَرَاهُ، وَزَوَّجَهُ بِهَا، ثُمَّ وَهَبَهُ، (أَوْ) وَهَبَ بَعْضَهُ لَهَا؛ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَحْلِيلٌ مَشْرُوطٌ وَلَا مَنْوِيٌّ مِمَّنْ تُؤَثِّرُ نِيَّتَهُ، أَوْ (شَرْطُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ، فَيَحْصُلُ الْإِحْلَالُ بِذَلِكَ) وَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا فُرْقَةَ بِيَدِهِمَا.
قَالَ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ» يَقُولُ أَحْمَدُ: إنَّهَا كَانَتْ قَدْ هَمَّتْ بِالتَّحْلِيلِ، وَنِيَّةُ الْمَرْأَةِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ». وَلَيْسَ فِيهِ الْمَرْأَةُ بِشَيْءٍ (وَاخْتَارَ جَمْعٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ (لَا) يَحْصُلُ الْإِحْلَالُ بِذَلِكَ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) قَالَ الْمُنَقِّحُ: الْأَظْهَرُ عَدَمُ الْإِحْلَالِ؛ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الْمُنَقِّحِ انْتَهَى، وَهُوَ قِيَاسُ الَّتِي قَبْلَهَا.
قَالَ فِي الْوَاضِحِ نِيَّتُهَا كَنِيَّتِهِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ بَاطِلٌ إذَا اتَّفَقَا، فَإِنْ اعْتَقَدَتْ ذَلِكَ بَاطِنًا، وَلَمْ تُظْهِرْهُ؛ صَحَّ فِي الْحُكْمِ، وَبَطَلَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. تَتِمَّةٌ (وَيَجُوزُ بَيْعُ) تُرَابِ مَعْدِنٍ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ) وَإِنْ اسْتَتَرَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، كَبَيْعِ نَحْوِ لَوْزٍ فِي قِشْرِهِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ تُرَابُ صَاغَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عَنْ تُرَابِهِ إلَّا فِي تَأَنِّي الْحَالِ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، وَلِذَلِكَ اُحْتُمِلَتْ جَهَالَةُ اخْتِلَاطِ الْمُرَكَّبَاتِ مِنْ مَعَاجِينَ وَنَحْوِهَا، وَنَحْوِ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ (وَالْجَامِدُ الْمُخْرَجُ مِنْ) أَرْضٍ (مَمْلُوكَةٍ لِرَبِّهَا)، أَيْ: الْأَرْضِ، أَخْرَجَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، (لَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ حَتَّى يَصِلَ لِيَدِهِ) كَمَدْفُونٍ مَنْسِيٍّ (فَلَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ زَكَاتِهِ) لِاحْتِمَالِ خَلْقِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَلَا يَتَحَقَّقُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِيهِ (كِ) مَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ (خُمْسِ رِكَازٍ) لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِيهِ قَبْلَ أَخْذِهِ (بِخِلَافِ) مَعْدِنٍ (جَارٍ، فَلِآخِذِهِ، لِإِبَاحَتِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بِمَوَاتٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بَلْ كَالْمَاءِ (وَلَا زَكَاةَ فِي مِسْكٍ وَزَبَادٍ وَ) لَا فِي (مُخْرَجٍ مِنْ بَحْرٍ كَسَمَكٍ وَلُؤْلُؤٍ وَجَوْهَرٍ وَمَرْجَانٍ) هُوَ: نَبَاتٌ حَجَرِيٌّ مُتَوَسِّطٌ فِي خَلْقِهِ بَيْنَ النَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ، وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ يَشْرَحُ الصَّدْرَ، وَيُفْرِحُ الْقَلْبَ، (وَ) لَا فِي (عَنْبَرٍ) وَلَوْ بَلَغَ نِصَابًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَكَانَ الْعَنْبَرُ وَغَيْرُهُ يُوجَدُ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْهُمْ فِيهِ سُنَّةٌ، فَوَجَبَ الْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ شَيْءٌ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ ذَعَرَهُ الْبَحْر. وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ، وَلِأَنَّ وُجُودَهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ، فَهُوَ كَالْمُبَاحَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْبَرِّ.